فصل: الدّيَةُ عَلَى مَنْ قَتَلَ الْمَكَاتِبَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ فِي قَضَائِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ:

رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَأَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذُرِعَ مَا بَيْنَهُمَا فَوُجِدَ إلَى أَحَدِهِمَا أَقْرَبَ فَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى شِبْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَلْقَاهُ عَلَى أَقْرَبِهِمَا وَفِي مُصَنّفِ عَبْدِ الرّزّاقِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: قَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنَا فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ دِيَارِ قَوْمٍ أَنّ الْأَيْمَانَ عَلَى الْمُدّعَى عَلَيْهِمْ فَإِنْ نَكَلُوا حُلّفَ الْمُدّعُونَ وَاسْتَحَقّوا فَإِنْ نَكَلَ الْفَرِيقَانِ كَانَتْ الدّيَةُ نِصْفُهَا عَلَى الْمُدّعَى عَلَيْهِمْ وَبَطَلَ النّصْفُ إذَا لَمْ يَحْلِفُوا وَقَدْ نَصّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَزِيّ عَلَى الْقَوْلِ بِمِثْلِ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ فَقَالَ قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ الْقَوْمُ إذَا أُعْطُوا الشّيْءَ فَتَبَيّنُوا أَنّهُ ظُلِمَ فِيهِ قَوْمٌ؟ فَقَالَ يُرَدّ عَلَيْهِمْ إنْ عُرِفَ الْقَوْمُ. قُلْت: فَإِنْ لَمْ يُعْرَفُوا؟ قَالَ يُفَرّقُ عَلَى مَسَاكِينِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَقُلْت: فَمَا الْحُجّةُ فِي أَنْ يُفَرّقَ عَلَى مَسَاكِينِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؟ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ جَعَلَ الدّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْمَكَانِ يَعْنِي الْقَرْيَةَ الّتِي وُجِدَ فِيهَا الْقَتِيلُ فَأَرَاهُ قَالَ كَمَا أَنّ عَلَيْهِمْ الدّيَةَ هَكَذَا يُفَرّقُ فِيهِمْ يَعْنِي: إذَا ظُلِمَ قَوْمٌ مِنْهُمْ وَلَمْ يُعْرَفُوا فَهَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَدْ قَضَى بِمُوجِبِ هَذَا الْحَدِيثِ وَجَعَلَ الدّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْمَكَانِ الّذِي وُجِدَ فِيهِ الْقَتِيلُ وَاحْتَجّ بِهِ أَحْمَدُ وَجَعَلَ هَذَا أَصْلًا فِي تَفْرِيقِ الْمَالِ الّذِي ظُلِمَ فِيهِ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَكَانِ عَلَيْهِمْ إذَا لَمْ يُعْرَفُوا بِأَعْيَانِهِمْ.
وَأَمّا الْأَثَرُ الْآخَرُ فَمُرْسَلٌ لَا تَقُومُ بِمِثْلِهِ حُجّةٌ وَلَوْ صَحّ تَعَيّنَ الْقَوْلُ بِمِثْلِهِ وَلَمْ تَجُزْ مُخَالَفَتُهُ وَلَا يُخَالِفُ بَابَ الدّعَاوَى وَلَا بَابَ الْقَسَامَةِ فَإِنّهُ لَيْسَ فِيهِمْ لَوْثٌ ظَاهِرٌ يُوجِبُ تَقْدِيمَ الْمُدّعِينَ فَيُقَدّمُ الْمُدّعَى عَلَيْهِمْ فِي الْيَمِينِ فَإِذَا نَكَلُوا قَوِيَ جَانِبُ الْمُدّعِينَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: وُجُودُ الْقَتِيلِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ.
وَالثّانِي: نُكُولُهُمْ عَنْ بَرَاءَةِ سَاحَتِهِمْ بِالْيَمِينِ وَهَذَا يَقُومُ مَقَامَ اللّوْثِ الظّاهِرِ فَيَحْلِفُ الْمُدّعُونَ وَيَسْتَحِقّونَ فَإِذَا نَكَلَ الْفَرِيقَانِ كِلَاهُمَا أَوْرَثَ ذَلِكَ شُبْهَةً مُرَكّبَةً مِنْ نُكُولِ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَمْ يَنْهَضْ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِيجَابِ كَمَالِ الدّيَةِ عَلَيْهِمْ وَوَجَبَ نِصْفُهَا عَلَى الْمُدّعَى عَلَيْهِمْ لِثُبُوتِ الشّبْهَةِ فِي حَقّهِمْ بِتَرْكِ الْيَمِينِ وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ بِكَمَالِهَا لِأَنّ خُصُومَهُمْ لَمْ يَحْلِفُوا فَلَمّا كَانَ اللّوْثُ مُتَرَكّبًا مِنْ يَمِينِ الْمُدّعِينَ وَنُكُولِ الْمُدّعَى عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَتِمّ سَقَطَ مَا يُقَابِلُ أَيْمَانَ الْمُدّعِينَ وَهُوَ النّصْفُ وَوَجَبَ مَا يُقَابِلُ نُكُولَ الْمُدّعَى عَلَيْهِمْ وَهُوَ النّصْفُ وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْأَحْكَامِ وَأَعْدَلِهَا وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ.

.فَصْلٌ فِي قَضَائِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِتَأْخِيرِ الْقِصَاصِ مِنْ الْجُرْحِ حَتّى يَنْدَمِلَ:

ذَكَرَ عَبْدُ الرّزّاقِ فِي مُصَنّفِهِ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ قَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي رَجُلٍ طَعَنَ آخَرَ بِقَرْنٍ فِي رِجْلِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَقِدْنِي فَقَالَ حَتّى تَبْرَأَ جِرَاحُكَ فَأَبَى الرّجُلُ إلّا أَنْ يَسْتَقِيدَهُ فَأَقَادَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَصَحّ الْمُسْتَقَادُ مِنْهُ وَعَرِجَ الْمُسْتَقِيدُ فَقَالَ عَرِجْتُ وَبَرَأَ صَاحِبِي فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلَمْ آمُرْكَ أَنْ لَا تَسْتَقِيدَ حَتّى تَبْرَأَ جِرَاحُكَ فَعَصَيْتنِي فَأَبْعَدَكَ اللّهُ وَبَطَلَ عَرَجُك ثُمّ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ كَانَ بِهِ جُرْحٌ بَعْدَ الرّجُلِ الّذِي عَرِجَ أَنْ لَا يُسْتَقَادَ مِنْهُ حَتّى يَبْرَأَ جُرْحُ صَاحِبِهِ فَالْجِرَاحُ عَلَى مَا بَلَغَ حَتّى يَبْرَأَ فَمَا كَانَ مِنْ عَرَجٍ أَوْ شَلَلٍ فَلَا قَوَدَ فِيهِ وَهُوَ عَقْلٌ وَمَنْ اسْتَقَادَ جُرْحًا فَأُصِيبَ الْمُسْتَقَادُ مِنْهُ فَعَقَلَ مَا فَضَلَ مِنْ دِيَتِهِ عَلَى جُرْحِ صَاحِبِهِ لَهُ. قُلْت: الْحَدِيثُ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ مُتّصِلٌ أَنّ رَجُلًا طُعِنَ بِقَرْنٍ فِي رُكْبَتِهِ فَجَاءَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ أَقِدْنِي. فَقَالَ حَتّى تَبْرَأَ فَقَالَ أَقِدْنِي. فَأَقَادَهُ ثُمّ جَاءَ إلَيْهِ فَقَالَ يَا فَقَالَ قَدْ نَهَيْتُكَ فَعَصَيْتنِي فَأَبْعَدَكَ اللّهُ وَبَطّلَ عَرْجَتَكَ ثُمّ نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُقْتَصّ مِنْ جُرْحٍ حَتّى يَبْرَأَ صَاحِبُهُ وَفِي سُنَنِ الدّارَقُطْنِيّ: عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ رَجُلًا جُرِحَ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَقِيدَ فَنَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُسْتَقَادَ مِنْ الْجَارِحِ حَتّى يَبْرَأَ الْمَجْرُوحُ وَقَدْ تَضَمّنَتْ هَذِهِ الْحُكُومَةُ أَنّهُ لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَاصُ مِنْ الْجُرْحِ حَتّى يَسْتَقِرّ أَمْرُهُ إمّا بِانْدِمَالٍ أَوْ بِسِرَايَةٍ مُسْتَقِرّةٍ وَأَنّ سِرَايَةَ الْجِنَايَةِ مَضْمُونَةٌ بِالْقَوَدِ وَجَوَازِ الْقِصَاصِ فِي الضّرْبَةِ بِالْعَصَا وَالْقَرْنِ وَنَحْوِهِمَا وَلَا نَاسِخَ لِهَذِهِ الْحُكُومَةِ وَلَا مُعَارِضَ لَهَا وَاَلّذِي نَسَخَ بِهَا تَعْجِيلَ الْقِصَاصِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لَا نَفْسَ الْقِصَاصِ فَتَأَمّلْهُ وَأَنّ الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ إذَا بَادَرَ وَاقْتَصّ مِنْ الْجَانِي ثُمّ سَرَتْ الْجِنَايَةُ إلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ أَوْ إلَى نَفْسِهِ بَعْدَ الْقِصَاصِ فَالسّرَايَةُ هَدَرٌ. وَأَنّهُ يُكْتَفَى بِالْقِصَاصِ وَحْدَهُ دُونَ تَعْزِيرِ الْجَانِي وَحَبْسِهِ قَالَ عَطَاءٌ: الْجُرُوحُ قِصَاصٌ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَضْرِبَهُ وَلَا يَسْجُنَهُ إنّمَا هُوَ الْقِصَاصُ {وَمَا كَانَ رَبّكَ نَسِيّا} وَلَوْ شَاءَ لَأَمَرَ بِالضّرْبِ وَالسّجْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُقْتَصّ مِنْهُ بِحَقّ الْآدَمِيّ وَيُعَاقَبُ لِجُرْأَتِهِ. وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ الْقِصَاصُ يُغْنِي عَنْ الْعُقُوبَةِ الزّائِدَةِ فَهُوَ كَالْحَدّ إذَا أُقِيمَ عَلَى الْمَحْدُودِ لَمْ يَحْتَجْ مَعَهُ إلَى عُقُوبَةٍ أُخْرَى.

.أَنْوَاعُ الْمَعَاصِي مِنْ حَيْثُ الْعُقُوبَةُ:

وَالْمَعَاصِي ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ نَوْعٌ عَلَيْهِ حَدّ مُقَدّرٌ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَنَوْعٌ لَا حَدّ فِيهِ وَلَا كَفّارَةَ فَهَذَا يُرْدَعُ فِيهِ بِالتّعْزِيرِ وَنَوْعٌ فِيهِ كَفّارَةٌ وَلَا حَدّ فِيهِ كَالْوَطْءِ فِي الْإِحْرَامِ وَالصّيَامِ فَهَلْ يُجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ الْكَفّارَةِ وَالتّعْزِيرِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ وَهُمَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ أَحْمَدَ وَالْقِصَاصُ يَجْرِي مَجْرَى الْحَدّ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التّعْزِيرِ.

.فَصْلٌ فِي قَضَائِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْقِصَاصِ فِي كَسْرِ السّنّ:

فِي الصّحِيحَيْنِ: مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنّ ابْنَةَ النّضْرِ أُخْتَ الرّبِيعِ لَطَمَتْ جَارِيَةً فَكَسَرَتْ سِنّهَا فَاخْتَصَمُوا إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمَرَ بِالْقِصَاصِ فَقَالَتْ أُمّ الرّبِيعِ يَا رَسُولَ اللّهِ أَيُقْتَصّ مِنْ فُلَانَةَ لَا وَاَللّهِ لَا يُقْتَصّ مِنْهَا فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سُبْحَانَ اللّهِ يَا أُمّ الرّبِيعِ كِتَابُ اللّهِ الْقِصَاصُ فَقَالَتْ لَا وَاَللّهِ لَا يُقْتَصّ مِنْهَا أَبَدًا فَعَفَا الْقَوْمُ وَقَبِلُوا الدّيَةَ. فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ مِنْ عِبَادِ اللّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللّهِ لَأَبَرّهُ.

.فصْلُ فِي قَضَائِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَنْ عَضّ يَدَ رَجُلٍ فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ فَسَقَطَتْ ثَنِيّةُ الْعَاضّ بِإِهْدَارِهَا:

ثَبَتَ فِي الصّحِيحَيْنِ أَنّ رَجُلًا عَضّ يَدَ رَجُلٍ فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ فَوَقَعَتْ ثَنَايَاهُ فَاخْتَصَمُوا إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَعَضّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَعَضّ الْفَحْلُ لَا دِيَةَ لَكَ وَقَدْ تَضَمّنَتْ هَذِهِ الْحُكُومَةُ أَنّ مَنْ خَلّصَ نَفْسَهُ مِنْ يَدِ ظَالِمٍ لَهُ فَتَلِفَتْ نَفْسُ مَالِهِ بِذَلِكَ فَهُوَ هَدَرٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ.

.فَصْلٌ فِي قَضَائِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَنْ اطّلَعَ فِي بَيْتِ رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَحَذَفَهُ بِحَصَاةٍ أَوْ عُودٍ فَفَقَأَ عَيْنَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ:

ثَبَتَ فِي الصّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَوْ أَنّ امْرَأً اطّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إذْنٍ فَحَذَفْتَهُ بِحَصَاةِ فَفَقَأَتْ عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ وَفِي لَفْظٍ فِيهِمَا: مَنْ اطّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَفَقَئُوا عَيْنَهُ فَلَا دِيَةَ لَهُ وَلَا قِصَاص وَفِيهِمَا: أَنّ رَجُلًا اطّلَعَ مِنْ جُحْرٍ فِي بَعْضِ حُجَرِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَامَ إلَيْهِ بِمِشْقَصٍ وَجَعَلَ يَخْتِلُهُ لِيَطْعَنَهُ فَذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ بِهَذِهِ الْحُكُومَةِ وَإِلَى الّتِي قَبْلَهَا فُقَهَاءُ الْحَدِيثِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالشّافِعِيّ وَلَمْ يَقُلْ بِهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ.

.فصل مَا يُفْعَلُ بِالْحَامِلِ إذَا قَتَلَتْ عَمْدًا:

وَقَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ الْحَامِلَ إذَا قَتَلَتْ عَمْدًا لَا تُقْتَلُ حَتّى تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا وَحَتّى تُكَفّلَ وَلَدَهَا. ذَكَرَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ. وَقَضَى أَنْ لَا يُقْتَلَ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ ذَكَرَهُ النّسَائِيّ وَأَحْمَدُ. وَقَضَى أَنّ الْمُؤْمِنِينَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَقَضَى أَنّ مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إمّا أَنْ يَقْتُلُوا أَوْ يَأْخُذُوا الْعَقْل وَقَضَى أَنّ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرّجْلَيْنِ فِي كُلّ وَاحِدَةٍ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ. وَقَضَى فِي الْأَسْنَانِ فِي كُلّ سِنّ بِخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَأَنّهَا كُلّهَا سَوَاءٌ وَقَضَى فِي الْمَواضِحِ بِخَمْسٍ خَمْسٍ وَقَضَى فِي الْعَيْنِ السّادَةِ لِمَكَانِهَا إذَا طُمِسَتْ بِثُلُثِ دِيَتِهَا وَفِي الْيَدِ الشّلّاءِ إذَا قُطِعَتْ بِثُلُثِ دِيَتِهَا وَفِي السّنّ السّوْدَاءِ إذَا نُزِعَتْ بِثُلُثِ دِيَتِهَا وَقَضَى فِي الْأَنْفِ إذَا جُدِعَ كُلّهُ بِالدّيَةِ كَامِلَةً وَإِذَا جُدِعَتْ أَرْنَبَتُهُ بِنِصْفِ الدّيَةِ وَقَضَى فِي الْمَأْمُومَةِ بِثُلُثِ الدّيَةِ وَفِي الْجَائِفَةِ بِثُلُثِهَا وَفِي الْمُنَقّلَةِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الْإِبِلِ وَقَضَى فِي اللّسَانِ بِالدّيَةِ وَفِي الشّفَتَيْنِ بِالدّيَةِ وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ بِالدّيَةِ وَفِي الذّكَرِ بِالدّيَةِ وَفِي الصّلْبِ بِالدّيَةِ وَفِي الْعَيْنَيْنِ بِالدّيَةِ وَفِي إحْدَاهُمَا بِنِصْفِهَا وَفِي الرّجْلِ الْوَاحِدَةِ بِنِصْفِ الدّيَةِ وَفِي الْيَدِ بِنِصْفِ الدّيَةِ وَقَضَى أَنّ الرّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَة.

.دِيَةُ الْخَطَإِ:

وَقَضَى أَنّ دِيَةَ الْخَطَإِ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَاخْتَلَفَتْ الرّوَايَةُ عَنْهُ فِي أَسْنَانِهَا فَفِي السّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ ثَلَاثُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَثَلَاثُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَثَلَاثُونَ حِقّةً وَعَشَرَةُ بَنِي لَبُونٍ ذَكَرٍ قَالَ الْخَطّابِيّ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ قَالَ بِهَذَا. وَفِيهَا أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنّهَا أَخْمَاسٌ عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبَوْنٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ مَخَاصٍ وَعِشْرُونَ حِقّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً.

.دِيَةُ الْعُمَدِ إذَا رَضِيَهَا أَهْلُهُ:

وَقَضَى فِي الْعَمْدِ إذَا رَضُوا بِالدّيَةِ ثَلَاثِينَ حِقّةً وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً وَمَا صُولِحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ فَذَهَبَ أَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ إلَى الْقَوْلِ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا وَجَعَلَ الشّافِعِيّ وَمَالِكٌ بَدَلَ ابْنِ مَخَاضٍ ابْنَ لَبُونٍ وَلَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ. وَفَرَضَهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ وَعَلَى أَهْلِ الشّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلّةٍ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَعَلَهَا ثَمَانَمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ ثَمَانَمِائَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ ذَكَرَ أَهْلُ السّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ رَجُلًا قُتِلَ فَجُعِلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا. وَثَبَتَ عَنْ عُمَرَ أَنّهُ خَطَبَ فَقَالَ إنّ الْإِبِلَ قَدْ غَلَتْ فَفَرَضَهَا عَلَى أَهْلِ الذّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ وَعَلَى أَهْلِ الشّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلّةٍ وَتَرَكَ دِيَةَ أَهْلِ الذّمّةِ فَلَمْ يَرْفَعْهَا فِيمَا رَفَعَ مِنْ الدّيَةِ.

.دِيَةُ الْمُعَاهِدِ:

وَقَدْ رَوَى أَهْلُ السّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دِيَةُ الْمُعَاهَدِ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرّ وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ قَضَى أَنّ عَقْلَ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنّصَارَى وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ: دِيَتُهُمْ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْخَطَإِ وَالْعَمْدِ وَقَالَ الشّافِعِيّ: ثُلُثُهَا فِي الْخَطَإِ وَالْعَمْدِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: بَلْ كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ فِي الْخَطَإِ وَالْعَمْدِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ فِي الْعَمْدِ. وَعَنْهُ فِي الْخَطَإِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا: نِصْفُ الدّيَةِ وَهِيَ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ.
وَالثّانِيَةُ ثُلُثُهَا فَأَخَذَ مَالِكٌ بِظَاهِرِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَأَخَذَ الشّافِعِيّ بِأَنّ عُمَر جَعَلَ دِيَتَهُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَهِيَ ثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَأَخَذَ أَحْمَدُ بِحَدِيثِ عَمْرِو إلّا أَنّهُ فِي الْعَمْدِ ضِعْفُ الدّيَةِ عُقُوبَةً لِأَجْلِ سُقُوطِ الْقِصَاصِ وَهَكَذَا عِنْدَهُ مَنْ سَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ ضُعّفَتْ عَلَيْهِ الدّيَةُ عُقُوبَةً نَصّ عَلَيْهِ تَوْقِيفًا وَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا هُوَ أَصْلُهُ مِنْ جَرَيَانِ الْقِصَاصِ بَيْنَهُمَا فَتَتَسَاوَى دِيَتُهُمَا.

.عَقْلُ الْمَرْأَةِ:

وَقَضَى صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ عَقْلَ الْمَرْأَةِ مِثْلُ عَقْلِ الرّجُلِ إلَى الثّلُثِ مِنْ دِيَتِهَا ذَكَرَهُ النّسَائِيّ. فَتَصِيرُ عَلَى النّصْفِ مِنْ دِيَتِهِ وَقَضَى بِالدّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَبَرَأَ مِنْهَا الزّوْجُ وَوَلَدُ الْمَرْأَةِ الْقَاتِلَةِ.

.الدّيَةُ عَلَى مَنْ قَتَلَ الْمَكَاتِبَ:

وَقَضَى فِي الْمَكَاتِبِ أَنّهُ إذَا قُتِلَ يُودَى بِقَدْرِ مَا أَدّى مِنْ كِتَابَتِهِ دِيَةَ الْحُرّ وَمَا بَقِيَ فَدِيَةُ الْمَمْلُوكِ قُلْت: يَعْنِي قِيمَتَهُ. وَقَضَى بِهَذَا الْقَضَاءِ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَإِبْرَاهِيمُ النّخَعِيّ وَيُذْكَرُ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ عُمَر: إذَا أَدّى شَطْرَ كِتَابَتِهِ كَانَ غَرِيمًا وَلَا يَرْجِعُ رَقِيقًا وَبِهِ قَضَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إذَا أَدَى الثّلُثَ وَقَالَ عَطَاءٌ: إذَا أَدّى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْكِتَابَةِ فَهُوَ غَرِيمٌ وَالْمَقْصُودُ أَنّ هَذَا الْقَضَاءَ النّبَوِيّ لَمْ تُجْمِعْ الْأُمّةُ عَلَى تَرْكِهِ وَلَمْ يُعْلَمْ نَسْخُهُ. وَأَمّا حَدِيثُ الْمَكَاتِبِ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذَا الْقَضَاءِ فَإِنّهُ فِي الرّقّ بَعْدُ وَلَا تَحْصُلُ حُرّيّتُهُ التّامّةُ إلّا بِالْأَدَاءِ.

.فَصْلٌ فِي قَضَائِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى مَنْ أَقَرّ بِالزّنَى:

ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِمٍ أَنّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ جَاءَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرّاتٍ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم: «أَبِكَ جُنُونٌ؟» قَالَ: لَا. قَالَ: «أَحْصَنْتَ؟» قَالَ: نَعَمْ فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ فِي الْمُصَلّى فَلَمّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ فَرّ فَأُدْرِكَ فَرُجِمَ حَتّى مَاتَ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًا وَصَلّى عَلَيْهِ وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: أَنّهُ قَالَ لَهُ أَحَقّ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ قَالَ وَمَا بَلَغَك عَنّي قَالَ بَلَغَنِي أَنّكَ وَقَعْتَ بِجَارِيَةِ بَنِي فُلَانٍ فَقَالَ نَعَمْ قَالَ فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ ثُمّ دَعَاهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ أَبِكَ جُنُونٌ قَالَ لَا قَالَ أَحْصَنْتَ قَالَ نَعَمْ ثُمّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: فَلَمّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ أَبِكَ جُنُونٌ قَالَ لَا. قَالَ أَحْصَنْتَ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ اذْهَبُوا بَهْ فَارْجُمُوه وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيّ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَعَلّكَ قَبّلْتَ أَوْ غَمَزْت أَوْ نَظَرْتَ قَالَ لَا يَا رَسُولَ اللّهِ. قَالَ أَنِكْتَهَا لَا يَكُنّي قَالَ نَعَمْ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُدَ: أَنّهُ شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرّاتٍ كُلّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ فَأَقْبَلَ فِي الْخَامِسَةِ قَالَ أَنِكْتَهَا؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ حَتّى غَابَ ذَلِكَ مِنْكَ فِي ذَلِكَ مِنْهَا؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ كَمَا يَغِيبُ الْمِيلُ فِي الْمُكْحُلَةِ وَالرّشَاءُ فِي الْبِئْرِ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ فَهَلْ تَدْرِي مَا الزّنَى؟ قَالَ نَعَمْ أَتَيْتُ مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي الرّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ حَلَالًا. قَالَ فَمَا تُرِيدُ بِهَذَا الْقَوْلِ؟ قَالَ أُرِيدُ أَنْ تُطَهّرَنِي قَالَ فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، وفي السنن: أنه لما وجد مَسّ الْحِجَارَةِ قَالَ يَا قَوْمِ رُدّونِي إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنّ قَوْمِي قَتَلُونِي وَغَرّونِي مِنْ نَفْسِي وَأَخْبَرُونِي أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَيْرُ قَاتِلِي. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: فَجَاءَتْ الْغَامِدِيّة فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهّرْنِي وَأَنّهُ رَدّهَا فَلَمّا كَانَ مِنْ الْغَدِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَ تَرُدّنِي لَعَلّك أَنْ تَرُدّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا؟ فَوَاَللّهِ إنّي لَحُبْلَى قَالَ إمّا لَا فَاذْهَبِي حَتّى تَلِدِي فَلَمّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصّبِيّ فِي خِرْقَةٍ قَالَتْ هَذَا قَدْ وَلَدْته قَالَ اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتّى تَفْطِمِيهِ فَلَمّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصّبِيّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ فَقَالَتْ هَذَا يَا نَبِيّ اللّهِ قَدْ فَطَمْته وَقَدْ أَكَلَ الطّعَامَ فَدَفَعَ الصّبِيّ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ النّاسَ فَرَجَمُوهَا فَأَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَانْتَضَحَ الدّمُ عَلَى وَجْهِهِ فَسَبّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَهْلًا يَا خَالِدُ فَوَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ ثُمّ أَمَرَ بِهَا فَصَلّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَضَى فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصِنْ عَامٍ وَإِقَامَةِ الْحَدّ عَلَيْه وَفِي الصّحِيحَيْنِ: أَنّ رَجُلًا قَالَ لَهُ أَنْشُدُكَ بِاَللّهِ إلّا قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللّهِ فَقَامَ خَصْمُهُ وَكَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ فَقَالَ صَدَقَ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللّهِ وَأْذَنْ لِي فَقَال: قُلْ قَالَ إنّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَخَادِمٍ وَإِنّي سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أَنّ عَلَى ابْنِي جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ وَأَنّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرّجْمَ فَقَالَ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لِأَقْضِيَنّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللّهِ الْمِائَةُ وَالْخَادِمُ رَدّ عَلَيْك وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَاسْأَلْهَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الثّيّبُ بِالثّيّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرّجْمُ وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ.
أَرْبَعَ مَرّاتٍ وَأَنّهُ إذَا أَقَرّ دُونَ الْأَرْبَعِ لَمْ يَلْزَمْ بِتَكْمِيلِ نِصَابِ الْإِقْرَارِ بَلْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْرِضَ عَنْهُ وَيَعْرِضَ لَهُ بِعَدَمِ تَكْمِيلِ الْإِقْرَارِ. وَأَنّ إقْرَارَ زَائِلِ الْعَقْلِ بِجُنُونٍ أَوْ سُكْرٍ مُلْغًى لَا عِبْرَةَ بِهِ وَكَذَلِكَ طَلَاقُهُ وَعِتْقُهُ وَأَيْمَانُهُ وَوَصِيّتُهُ. وَجَوَازُ إقَامَةِ الْحَدّ فِي الْمُصَلّى وَهَذَا لَا يُنَاقِضُ نَهْيَهُ أَنْ تُقَامَ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ. وَأَنّ الْحُرّ الْمُحْصَنَ إذَا زَنَى بِجَارِيَةٍ فَحَدّهُ الرّجْمُ كَمَا لَوْ زَنَى بِحُرّةٍ. وَأَنّ الْإِمَامَ يُسْتَحَبّ لَهُ أَنْ يُعْرِضَ لِلْمُقِرّ بِأَنْ لَا يُقِرّ وَأَنّهُ يَجِبُ اسْتِفْسَارُ الْمُقِرّ فِي مَحَلّ الْإِجْمَالِ لِأَنّ الْيَدَ وَالْفَمَ وَالْعَيْنَ لَمّا كَانَ اسْتِمْتَاعُهَا زِنًى اسْتَفْسَرَ عَنْهُ دَفْعًا لِاحْتِمَالِهِ. وَأَنّ الْإِمَامَ لَهُ أَنْ يُصَرّحَ بِاسْمِ الْوَطْءِ الْخَاصّ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَالسّؤَالِ عَنْ الْفِعْلِ. وَأَنّ الْحَدّ لَا يَجِبُ عَلَى جَاهِلٍ بِالتّحْرِيمِ لِأَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَأَلَهُ عَنْ حُكْمِ الزّنَى فَقَالَ أَتَيْتُ مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي الرّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ حَلَالًا. وَأَنّ الْحَدّ لَا يُقَامُ عَلَى الْحَامِلِ وَأَنّهَا إذَا وَلَدَتْ الصّبِيّ أُمْهِلَتْ حَتّى تُرْضِعَهُ وَتَفْطِمَهُ وَأَنّ الْمَرْأَةَ يُحْفَرُ لَهَا دُونَ الرّجُلِ وَأَنّ الْإِمَامَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِالرّجْمِ. وَأَنّهُ لَا يَجُوزُ سَبّ أَهْلِ الْمَعَاصِي إذَا تَابُوا وَأَنّهُ يُصَلّى عَلَى مَنْ قُتِلَ فِي حَدّ الزّنَى وَأَنّ الْمُقِرّ إذَا اسْتَقَالَ فِي أَثْنَاءِ الْحَدّ وَفَرّ تُرِكَ وَلَمْ يُتَمّمْ عَلَيْهِ الْحَدّ فَقِيلَ لِأَنّهُ رُجُوعٌ. وَقِيلَ لِأَنّهُ تَوْبَةٌ قَبْلَ تَكْمِيلِ الْحَدّ فَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ تَابَ قَبْلَ الشّرُوعِ فِيهِ. وَهَذَا اخْتِيَارُ شَيْخِنَا. وَأَنّ الرّجُلَ إذَا أَقَرّ أَنّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ حَدّ الْقَذْفِ مَعَ حَدّ الزّنَى. وَأَنّ مَا قُبِضَ مِنْ الْمَالِ بِالصّلْحِ الْبَاطِلِ بَاطِلٌ يَجِبُ رَدّهُ. وَأَنّ الْإِمَامَ لَهُ أَنْ يُوَكّلَ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَدّ.